اللجنة الوزارية للفتوى- بيان رقم 22

الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية

وزارة الشؤون الدينية والأوقاف

اللجنة الوزارية للفتوى

الأحد 19 ذي الحجة 1441 الموافق 9 أوت 2020

البـيـان رقم 22

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد،

فبناء على الأوضاع المترتّبة على فيروس كورونا، الذي يتعذَّر التنبؤُ بأجل نهايته، كما تؤكِّد مختلف الخبرات الصحية داخل الجزائر وخارجها، وقد صار واقعا ينبغي التعايش معه، في ظل الأخذ بالإجراءات الوقائية المعروفة، قصد استئناف مَنَاشِطِ الحياةِ المختلفة. وإثر لقاء اللجنة الوزارية بخصوص مسألة الفتح التدريجي للمساجد، وبعد القرَار الصادر من السلطات العليا للبلاد بخصوص هذا الموضوع، وبعد اللقاء الذي جمعَ بين أعضاء اللَّجنة الوزارية للفتوى والناطق الرسمي باسم اللجنة العلمية لرصد ومتابعة فيروس كورونا، في مقر وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بتاريخ الثلاثاء 14 ذي الحجة 1441هـ الموافق 4 أوت 2020م، للتشاور حول الإجراءات المرافقة لعملية الفتح التدريجي للمساجد، فإن اللجنة تصدر البيان الآتي:

أولا ـ وجوب الاستمرار في الحرص على الإجراءات الوقائية وتعزيزها رغم النتائج الإيجابية التي حققها بلدُنا في التعامل مع هذا الوباء والحد من انتشاره، وخصوصا مع ازدياد حالات الشفاء، والتخفيف من إجراءات الحجر الصحي المنزلي، فإنّ الوباءَ ما يزال موجودا وينتشر بوتيرة متفاوتة، ولذلك فإن اللّجنة تؤكّد على وجوب الاستمرار في الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية، وخصوصا ما جاء في بيانها الأول الذي نصّ على ما يأتي:

1 ـ يجب الاحتياط والأخذ بكل أسباب الوقاية، حسمًا لزيادة انتشار الفيروس، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ» [البخاري]، وقولِه صلى الله عليه وسلم أيضًا: «لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ». [البخاري ومسلم]، وحفظا للنفس التي هي من الكليات الضرورية الخمس.

2 ـ يجب شرعا الأخذ بالإجراءات الاحترازية المتَّخذَة والمتعلِّقة بارتياد الأماكن العامة ومواضع الازدحام وسائر الفضاءات العمومية، ولا يجوز الاستهانة بهذه التدابير.

3 ـ من شك في إصابته بهذا المرض أو ظهرت عليه أعراضُه أو ما يشبهُهَا، فإنَّه يحرُمُ عليهِ الاختلاطُ بالآخرين وارتيادُ الأماكن العامة، تجنُّبا للإضرار بالغير، قال الله تعالى:( ولا تلقوا بيأبديكم إلى التهلكة) البقرة/195، وقال: ( ولا تقنلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) [النساء/29]، وفي هذه الحالة ينبغي عليه أن يعرض نفسه فورًا على المصالح الصحية.

4 ـ لا حرج شرعًا على الأصحّاءِ في مثل هذه الظُّروف أن يُصَلُّوا في بيوتِهم مع أفراد الأسرة، لأن صلاة الجماعة سنَّة، وليست واجبة عند جمهور الفقهاء، ويُشرَعُ لمن خافَ على نفسِه أو على غيرِه ـ ولو لم يكن مريضا ـ أن يُصليَّ في بيتِه، دون أن يَفوتَه أجرُ الجماعة إن شاء الله. 5 ـ يُمنَعُ الأطفالُ وَالنِّساءُ وكبارُ السِّنِّ والمرضَى من حضورِ صلاةِ الجَماعةِ في هذهِ الظُّروف.

ثانيا ـ الترتيبات المتعلقة بنظام الفتح التدريجي للمساجد حرصا على المحافظة على قدسية المساجد، وتجنيبها أن تـتحوَّل إلى بؤرٍ للعدوَى وانتقال فيروس كورونا، والتزاما بنصوص الشّريعة الإسلامية وقواعدها ومقاصدها، كقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ».[الإمام مالك، وأحمد، وابن ماجه، وهو صحيح]، فإنَّه يجبُ الأخذُ بكلِّ الاحتياطات الضَّرورية أثناء الفتح التَّدريجيّ للمساجدِ، ومن ذلك:

1 ـ المساجدُ المعنية بالفتحِ هي تلك التي نص عليها قرار الفتح التدريجي لتوفّرها على ظروف الوقاية الملائمة، مع ضرورة مراعاة وقت الحجر الصحي.

2 ـ تبقَى صلاة الجمعة مؤجَّلة، وتُصلَّى ظهرًا في البيوتِ، إلى أن تتوفّر الظروف المواتية للفتح الكليّ لبيوت الله.

3 ـ تُفتَحُ المساجدُ المعنيّة للصلاة فقط، وتبقى بقية النشاطاتِ المسجديةِ معلقةً كالدُّروسِ، والحلقاتِ التعليميةِ ونحوها، وتبقى المكتبات المسجدية ومصليات النساء والمدارس القرآنية مغلقةً.

.4 ـ يجبُ الحرصُ على تعقِيم المساجد ونظافتها يوميا بشكل دوري منتظم، حسب الإمكانات المتاحة.

5 ـ تُرفعُ الأفرشة والسجاد الخاص بالمسجد إن أمكن ذلك دون إتلافها، وإلا ينبغي العمل على تغطيتها بالبلاستيك ما أمكن ذلك.

6 ـ يمنع فتح أماكن الوضوء منعا باتًّا، وعلى المصلّين أن يتوضؤوا في بيوتهم، فإن ذلك أعظم أجرا، قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى المَسْجِدَ لاَ يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاَةَ، لاَ يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَ بِهَا دَرَجَةً، أَوْ حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» [البخاري ومسلم].

7 ـ تسحب المصاحف والكتب والمطويات والسُّبحُ وأحجارُ التَّيَمُّم من قاعة الصلاة، وتوضعُ في أماكنَ خاصةٍ بعيدًا عن متناول المصلين.

8 ـ ينبغي الحرصُ على فتح النوافذ، والاستفادة من التهوئة الطبيعية، ويمنَعُ استعمال المكيِّفات والمرَاوح الكهربائيّة.

9 ـ تُسحَب الثلاجاتُ وأجهزةُ تبريدِ المياه وموزعاتُها، ويمنع إحضارُ الأطعمةِ والمشروباتِ إلى محيط المساجدِ.

ثالثا ـ الترتيبات المتعلقة بالإجراءات الصحية والوقائية المطلوبة من المصلين

1 ـ يجبُ شرعا على المصلين الالتزام بالإجراءات الاحترازية الوقائية، ولا يسمح بالدخول إلى المسجد دون استعمال الأقنعة الواقية، مع ضرورة تعقيمِ الأيدي، وقياس درجة الحرارة.

2 ـ يلتزم المصلون بإحضار سجاداتهم الخاصة، والحرص على تعقيمها قبل الصلاة وبعدها، وكذا وضع الحذاء في كيس شخصي.

3 ـ يجبُ احترام التّباعد الجسديّ، وعدمُ التزاحمِ عند دخول المسجد والخروج منه، وتفادي التّجمع داخل المسجد وخارجه، وتجنُّبُ المصافحة، كما يجب على المصلِّين مغادرة المسجد فور الانتهاء من الصّلاة، وأداء النوافل البعدية في البيوت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ، إِلَّا الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ» [البخاري ومسلم].

4 ـ ينبغي للقائمين على المسجد، تنظيم المصلين أثناء الدخول والخروج، ووضع إشارات لذلك، واستعمال كل الأبواب.

5 ـ من أجل تعزيز إجراءات التّطهير والنّظافة، يُدعَى المواطنون إلى التَّبرعِ بوسائلِ النظافة والتعقيمِ الصحيِّ والأقنعة الواقية، والسَّجَّادات ذات الاستعمال الواحد، لأن ذلكَ من أفضلِ الصدقاتِ.

6 ـ توضع مواد التعقيم والتطهير في متناول المصلِّين والقائمين على المسجد، حسب الإمكانات المتوفّرة.

رابعا ـ الترتيبات المتعلقة بكيفية أداء الصلاة

1 ـ يرفع الأذان بالصيغة العادية في المساجد المفتوحة لصلاة الجماعة، ويرفع مع زيادة عبارة "الصلاة في بيوتكم" في المساجد التي لم تفتح بعدُ.

2 ـ يجبُ الالتزامُ بترك مسافة لا تقل عن 1,5م بين كل مصلّيَيْن اثنيْنِ، من الجهات الأربع، وعلى مسؤولي المساجد رسمُ مخطط توجيهي، ووضعُ علامات في قاعة الصّلاة وصحن المسجد تُحدِّد أماكن المصلين حسب مسافة التباعد الجسدي. وتقطيعُ الصفوف وتَرْكُ الفُرَجِ على هذا النحو ضرورة شرعية تزول معها الكراهةُ، قال ابن رشد في البيان والتحصيل (1/264 ـ 265): ((خفَّف [الإمام مالك] انقطاع الصفوف لضرورة الشمس؛ لأن التراص في صفوف الصلاة مستحب، وهذا نحو قوله في المدونة (1/195): إنه لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد)). وفي البيان والتحصيل أيضا (1/268 ـ 269): ((وسئل عن الخيل الحُصن، ينزل أهلها للصلاة، فلا يستطيعون أن ينضمُّوا لموضع تحصن خيلهم، فَيُصَلُّونَ أفرادًا وإمَامُهُمْ أَمَامَهُمْ، قال: لا بأس بذلك... قال ابن رشد: أما إجازته لصلاتهم متفرِّقينَ مؤتَمِّينَ بإمامهم من أجل تحصن خيلهم فصحيح)). فإذا جاز قطع الصفوف لما سبق، فإنّه يتعيَّنُ قطعُها بسبب الخوف من العدوى.

3 ـ تُفتَحُ المساجد قبل الأذان بـ 15 دقيقة، وتغلقُ بعد الصلاة بــ 10 دقائق، وتقام الصلاة بعد الأذان مباشرة، وعلى الأئمة تخفيفُ الصلواتِ وعدمُ التَّطويلِ فيهَا، وغلقُ المساجد بعد الفراغِ منها.

4 ـ يجب الإبقاء على القناعِ الواقي الذي يغطِّي الأنفَ أثناء الصلاة بما في ذلك السجود، لأنَّ السُّجودَ على الأنف مستحب، وقد قيَّد فقهاؤنا كراهةَ التّلثُم، وفيه تغطية المصلي أنفه بقولهم: ((إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ شَأْنَهُ كَأَهْلِ لَمْتُونَةَ، أَوْ كَانَ فِي شُغْلٍ عَمِلَهُ مِنْ أَجْلِهِ فَيَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ)) [مواهب الجليل للحطاب (1/503)]. 5 ـ يُدعَى السّادة المنظمون إلى السهر على تنظيم إجراءات الدخول والخروج، من البداية إلى النهاية، فإنَّهم وإن لم يُصلُّوا مع الجماعةِ بسبب خدمتهم، فلهم منزلة إيثار سلامة المساجد وروادها، وأجرُ الخدمة والنية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيـَّاتِ» [البخاري ومسلم].

خامسا ـ تعزيز روح التعاون للمحافظة على سلامة المصلين والمساجد تدعو لجنة الفتوى إلى ما يأتي:

1 ـ تعاون رُوَّادِ المسَاجد مع السادة الأئمة والمنظِّمين، والامتثال لتوجيهاتهم، والاستجابة لقراراتهم، لقوله:( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) [المائدة/2]، تأسّيا بأخلاق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتزاما بأخلاق المؤمن وسلوكه الحضاري، ليكون قدوةً لغيره، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة/18]، ولأن ذلك يسهِّلُ تحقيق الهدف المرجوّ، وهو الفتح الكلي للمساجد وعودتنا إلى الحياة العادية المنتظمة في القريب العاجل إن شاء الله تعالى.

2 ـ التّطبيق الصارم لتعليمات السلامة فإنّها ضمان لفتح المساجد، وعدم التَّهاون في ذلك لأنها سبب في جعل المساجد بؤرة لانتشار الفيروس، مما قد يضطرُّ ـ لا سمح الله ـ إلى إعادة تعليق صلاة الجماعة مرّة أخرى، وشر الناس من كان سببا في حرمان إخوانه من هذه النعمة، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَعْظَمَ المُسْلِمِينَ جُرْمًا، مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» [البخاري ومسلم]، قال العلماء: ((في الحديث دليل على أن من عمل ما فيه إضرار بغيره كان آثما)).

3 ـ القيام بحملةِ تحسيسٍ وتوعيةٍ متعدّدةِ الأطرافِ والجوانبِ والوسائلِ، تحضيرا للمُصلِّين، وحرصا على إنجاح خطوات الفتح التَّدريجيّ للمساجد. نسألُ اللهَ تعالى بأسمائِه الحسنَى وصفاتِه العُلَى، أن يَتجلَّى علينا بواسع رحمتِه، وأن يزيلَ عنَّا هذا الوباءَ، وأن يوفِّقَنَا في كلِّ حياتِنا إلى ما يحبُّه ويرضاهُ، وأن يجعلَ وطنَنا الجزائرَ آمنًا مطمئنا، سخاءً ورخاءً، وازدهارًا ونَماءً، إنّهُ وليُّ ذلكَ والقادرُ عليهِ. وصلَّى اللهُ وسلَّم على سيِّدنَا محمَّدٍ وعلَى آلِه وصحبِه أجمعين.