فتوى فقهية حول ترشيح المرأة

سيدي:  إجابة عن سؤالكم: هل يجوز ترشح امرأة للانتخابات؟ البلدية والولائية والرئاسة وغيرها من المناصب في الدولة؟  للإجابة عن هذا السؤال الشائك الصعب في هذا الظرف الحساس وضعت ثلاث نقاط:

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه.

إلى الأستاذ الفاضل عده فلاحي مستشار الإعلامي بوزارة الشؤون الدينية.

سيدي:  إجابة عن سؤالكم: هل يجوز ترشح امرأة للانتخابات؟ البلدية والولائية والرئاسة وغيرها من المناصب في الدولة؟  للإجابة عن هذا السؤال الشائك الصعب في هذا الظرف الحساس وضعت ثلاث نقاط:

-المرأة في ميزان الشرع، ومكانتها في الإسلام بإيجاز.

-انقسام الناس في هذه المسألة إلى مجيزين ومنكرين لها تولي الولاية العامة معتمدين على حديث البخاري.

-فتوى أبي حنيفة وابن جرير الطبري في إجازة تولي منصب القضاء في غير الحُدُود وهو من الولاية العامة.

أولا: المرأة في نظر الشرع لها كامل الحقوق وهي تجتمع مع الرجل في غالب الأحكام الشرعية، وتختص بأحكام شرعية قد بيّنها الله تعالى في كتابه وبيّنها الرسول صل الله عليه وسلم في سنته.

فعلى هذا هي مخاطبة بأصول وفروع الشريعة مثلها مثل الرجل كما ورد في قوله تعالى: ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) النساء/ ١٢٤وقوله تعالى: ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) النحل/٩٧

وإذا عدنا إلى العهد الجاهلي نجد المرأة مهضومة الحق، موؤودة عند الصغر، موروثة عند الكبر، فلما جاء الإسلام رفع عنها هذاالظلم، وأنصفها بعد غبن، وأعاد لها اعتبارها في الإنسانية، فحرم الله سبحانه وتعالى اعتبار المرأة من جملة موروثات الزوج الميت، وضمن لها استقلال شخصيتها، وجعلها وارثة لا موروثة، وجعل للمرأة حقا في الميراث من مال أقاربها بنص الكتاب والسنة.

لقد اعتزت بالإسلام واعتز الإسلام بها، حتى صار بين أيدينا تاريخ مجيد حافل بسيرتها العطرة بوصفها أُمَّا وزوجة وابنة، وعالمة فقيهة محدثة، وعابدة خاشعة قانتة، فبان للجميع المكانة التي بوّأها لها الإسلام.

يقول الشيخ ابن جبرين: قد استثنيت المرأة من بعض الأمور التي تختص بالرجال، وذلك لا شك أنه كرامة لها وحفاظ عليها، فثبت في الحديث أن عائشة قالت: «يا رسول الله! هل على النساء جهاد؟ فقال: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة» فأسقط عنهن الجهاد الذي هو قتال الكفار، وجعل عليهن هذا الحج، حيث إنه جهاد للنفس.

وإذا عدنا إلى عهد النبوة نجدها قد مارست في عهد رسول الله صل الله عليه وسلم مهنى تليق بها، فقد داوت الجرحى، فقد ثبت أن أمّ المؤمنين عائشة-رضي الله عنها-هي وامرأة من الأنصار في غزوة أحد كانتا تخدمان المجاهدين، فكانتا تأتيان بالماء وتفرغاه في أفواه القوم الذين أصيبوا، وكل ذلك خدمة للمجاهدين، فيكون ذلك جهاداً، وهكذا كان بعض النساء تغزو مع المسلمين، ومنهن أمّ سليم أمّ أنس بن مالك وغيرها، كن يغزون فيداوين الجرحى، وينقلن المرضى، ويخدمن المجاهدين، ويقمن بأيّ عمل يعد مشاركة في الجهاد، فكان ذلك مما دعت إليه الشريعة.

وأذكر هاهنا موقفا للمرأة، يوم الخندق حين ترك النبي صل الله عليه وسلم عمته صفية مع نساء المسلمين في حصن حسان، وهو من أمنع الحصون هناك، وجاء اليهود، فأرسلوا واحداً؛ ليرى هل أبقى الرسول صل الله عليه وسلم حُماة للنساء والذراري في هذا الحصن أم لم يُبقِ أحداً؟ فرأت ذلك اليهودي يتسلل إلى الحصن، فما كان منها إلا أن نزلت عليه بعمود، فضربته أولى وثانية وثالثة، وقتلته، ثم احتزت رأسه، ثم طلعت به إلى أعلى الحصن، ثم رمت برأسه؛ فإذا هو يتدحرج بين أيدي اليهود، فقال قائل اليهود: قد علمنا أن محمداً لن يترك النساء من غير حُماة.

ويخبرنا تاريخ الإسلام الحافل بالجهاد أن المرأة شاركت بعد ذلك في الفتوحات الإسلامية، دفاعا عن بيضة الإسلام، ولعلّ خلوة بنت الأزور حاضرة في الأذهان، إذ نالت إعجاب سيف الله المسلول سيدنا خالد بن الوليد حين اخترقت صفوف جيش الروم لتخلص أخاها من الأسر حتى قال سيف الله: "لله درّه من فارس"، إلى غير ذلك من المواقف التي تعد وقفا على الرجال.

واضطلعت المرأة بمسؤوليات عديدة، في تدبير التجارة وفي مجال الجهاد، وفي شتى ميادين العلم والحياة، بدءا من عهد الرسول صل الله عليه وسلم، بما فيها ميدان السياسة التي يمثلها تقديم البيعة، ويكفي أن نذكر أسماء بعض أمهات المومنين، كالسيدة خديجة-رضي الله عنها-في شؤون المال والتجارة، والسيدة عائشة-رضي الله عنها-في العلم ورواية الحديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم؛ إضافة إلى أنها كانت على رأس الجيش في حرب الجمل-وإن عدّه البعض نقيصة وخطأ-.

واللائحة بعدهما طويلة قبل أن نصل إلى ما بلغته المرأة المسلمة في العهد الحاضر، وإن ما نشاهده في الجزائر المعاصرة وغيرها من المجتمعات الإسلامية من اقتحام المرأة لمختلف ميادين العلم والعمل، لكاف للإقناع بمدى ما تتمتع به من حقوق وما تؤديه من واجبات.([1])

قال الشيخ ابن الباز-رحمه الله تعالى-: لقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على أهمية المرأة أُمَّا وزوجة وأختا وبنتا، وما لها من حقوق وما عليها من واجبات وجاءت السنة المطهرة بتفصيل ذلك.

والأهمية تكمن فيما يلقى عليها من أعباء وتتحمل من مشاق تفوق في بعضها أعباء الرجل؛ لذلك كان من أهم الواجبات شكر الوالدة وبرها، وحسن صحبتها وهي مقدمة في ذلك على الوالد قال تعالى: ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله فى عامين أن اشكر لى ولوالديك إلى المصير ) لقمان/١٤، وقال تعالى: ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) الأحقاف/١٥ وجاء رجل إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال «يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أمك قال ثم من؟ قال أبوك» ومقتضى ذلك أن يكون للأم ثلاثة أمثال ما للأب من البر.

ثانيا: وإذا جئنا لما عمت به البلوى هل يجوز للمرأة الترشح للانتخابات وللمناصب الحكومية، والولاية العامة، فنجد القوم اختلفوا في العصر الحديث إلى قسمين:

(أ)-قسم يرى أنّ من حقّها الترشح وتولي المناصب الحكومية مثلها مثل الرجل ولا ضير في ذلك ولا مانع بدون أن يدلوا بحجة من الشرع تؤيد نظرهم.

ولكنهم أوّلوا واقعة وردت في القرآن الكريم ولم يحسنوا الاستدلال بها فقالوا: ولو كان الإسلام رافضا تولية المرأة بإطلاق، لما جاء القرآن الكريم متحدثا عن بلقيس ملكة سبأ، وما كان لها مع سليمانuومع قومها الذين وجهتهم بحكمة وذكاء وسداد إلى الإيمان بالله.

(ب)-وقسم ينكر عليها حقّها في المشاركة في بناء المجتمع، ويعتبرها كمّا في البيت ليس لها إلاّ أن تتعلم سورة الإخلاص وتعود إلى البيت ونسي هذا الفريق أنّ "المجمتع طائر يطير بجناحيه الرجل والمرأة كما يقول الإمام ابن باديس-رحمه الله تعالى-.

وحجة من أنكر توليها الولاية العامة الحديث الذي أخرجه البخاري، وذلك لما مات كسرى ملك الفرس سأل رسول اللهصل الله عليه وسلم عمن استخلفوا فقالوا: ابنته، فقال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».رواه البخاري في صحيحه.

هذا الحديث الصحيح دليل قوي على عدم جواز تولية المرأة شيئاً من الولايات العامة، وإن كان الشارع قد أثبت لها أنها راعية في بيت زوجها.

وهناك مَن يرى أن للفقهاء في هذا الحديث قولا وهو: أن المقصود منه الولاية الكبرى-أي: الخلافة-وإن اعتمد عليه الشافعية فلم يجيزوا تولية المرأة القضاء.

والصحيح الثابت أنّه لم ينقل عن النبي صل الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه الراشدين من بعده أنهم ولوا امرأة قضاء ولا ولاية بلد، ولو جاز ذلكم لوقع ولو مرة واحدة إلا ما كان من سيدنا عمر بن الخطابt حين ولى الشفاء بنت عبدالله القرشية العدوية حسبة السوق، فقد وردت في كتب التراجم والسير.

ففي تهذيب الكمال عند ترجمة الشفاء قال: وكان عمر بن الخطابt يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما ولاها شيئا من أمر السوق. وفي تهذيب التهذيب مثل ذلك وفي الإصابة أيضا.

ولكن هذه القصة لا تعتبر حجة في إباحة تولية المرأة الولايات العامة والقضاء، إذ المناصب القيادية والمسؤوليات الكبرى يلزم أن تكون بأيدي الرجال الأكفاء، وقد أجمع أهل العلم على أن الإمامة الكبرى تشترط لها الذكورة لما أخرجه البخاري وغيره من حديث أبي بكر أن النبيصل الله عليه وسلمقال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».

وقال ابن قدامة المقدسي: لا تصح تولية المرأة، وحكي عن ابن جرير أن الذكورية لا تشترط؛ لأن المرأة يجوز أن تكون مفتية فيجوز أن تكون قاضيا، وقال أبو حنيفة يجوز أن تكون قاضية في غير الحدود؛ لأنه يجوز أن تكون شاهدة فيه ولنا قول النبيصل الله عليه وسلم: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»، ولأن القاضي يحضره محافل الخصوم والرجال، ويحتاج فيه إلى كمال الرأي وتمام العقل والفطنة، والمرأة ناقصة العقل ضعيفة الرأي ليست من أهل الحضور في محافل الرجال، ولا تقبل شهادتها ولو كان معها ألف امرأة مثلها ما لم يكن معهن رجل، وقد نبه الله تعالى على ضلالهن ونسيانهن بقوله سبحانه وتعالى: ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) البقرة/٢٨٢ ولا تصلح للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يولّ النبي صل الله عليه وسلم، ولا أحد من خلفائه، ولا من بعدهم امرأة قضاء ولا ولاية بلد فيما بلغنا ولو جاز ذلك لم يخل منه جميع الزمان غالبا.([2])

ثالثا: أما الواقع الذي نعيش فإننا في كلّ أحوالنا بعيدون عن حوزة الإسلام وهنا نضع سؤالا أراه وجيها هل نحن حقّا نعيش الإسلام في كلّ أحوالنا، في بيوتنا، في تربية أولادنا، وفي تجارتنا، وفي عملنا، أم نحن نوظيف أحكام الشريعة حسب أهوائنا، ونثيرها من حين لآخر، إثارة للفتنة، وإشاعة للفوضى لغرض ما أو بدون غرض.

إن المرأة جزء من المجتمع فقد مارست مهنة التعليم، وتصدرت الإدارة مديرة وأدارت جلسات لمعاونيها ولم يعترض أحد، ومارست مهنة الطب وكشفت أثناء الفحص الطبي عن الرجل ولم يعترض أحد، ومارست المسؤولية العليا كوزيرة ولم يعترض أحد، ومارست القضاء ولم يعترض عنها أحد بل ذكر لي من أثق به إن التقاضي لديها أفضل عند بعضهم، وكثير من القاضيات مشهود لهن بالعدل والنزاهة.

لما سكت القوم بالأمس، وانتفضوا اليوم؟، ألم يكن المجتمع الذي زاولت فيه المرأة هذه الوظائف التي ذكرت هو نفس المجتمع الذي أرادوا لها ألاّ الترشح في قوائم الانتخابات اليوم بحجة أنّ هذا لا تجيزه الشريعة ؟! وهل الشريعة

الإسلامية محكّمة في حياتنا كمنهج مطبق بإلزام أنفسنا، صحيح إننا نصلي، ونصوم، ونزكي في الظاهر، ونحج وهنا

يقف الإسلام في فهمنا ومفهومنا.

ألم يعلم القوم أنّ الإسلام قد سوى المرأة بالرجل في كل الحقوق والواجبات، ووصل ديننا الحنيف في رفع مكانة المرأة وتسويتها بالرجل إلى حد أن قال الله تعالى: ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) التوبة/٧١. جعلت هذه الآية الكريمة بين المؤمنين والمؤمنات ولاية بحيث تشد هذه الولاية بعضهم إلى بعض، فكل منهم يتولى الآخر، كل مؤمن يتولى جميع المؤمنين وجميع المؤمنات، وكل مؤمنة تتولى جميع المؤمنين وجميع المؤمنات عندما يكون هناك موجب لهذه الولاية ..

وبيّن الله-سبحانه وتعالى-في هذه الآية العمل الذي يرقى بالمؤمنين والمؤمنات إلى درجة الإيمان وإلى درجة الولاية، ذلك بأن يكونوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، فإذا حصل ذلك كله حصلت الولاية فيما بينهم وكانوا جميعا متعاونين على الخير..

فهما شركاء في القيام بأمر الله والاضطلاع بتكاليفه مهمة مشتركة ما بين الرجال والنساء جميعا، فكل منهم يقوم بهذه التكاليف (رجالا ونساء معا)، ومهمة االتكليف هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعنى ذلك أن المرأة عليها أن تغير المنكر كما أن ذلك على الرجل ..

وهكذا سوى في الولاية بين الرجل والمرأة، ويدخل فيها ولاية الأخوة والمودة والتعاون المالي والاجتماعي، وولاية النصرة والحرية والسياسة.

وإذا كان جمهور الفقهاء لا يجيز لها تولي المناصب العامة، وعليه الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد، أنه لا يجوز، بناء على حديث رواه البخارى وغيره «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»؛ لأن منعها من القضاء أولى من منعها من الولاية العامة. قال ابن حجر العسقلاني فى "فتح البارى": وقد اتفقوا على اشتراط الذكورة فى القاضى إلا عند الحنفية، واستثنوا الحدود، وأطلق ابن جرير .

فإن المذهب الحنفي يجيز لها ذلك قال أبو حنيفة وأصحابه: يجوز أن تلي النّساء القضاء فيما يجوز أن تقبل شهادتهن فيه وحدهن أو مع الرّجال; لأن في الشهادة معنى الولاية ، ولا يجوز في الحدود والقصاص؛ لأن شهادتهن لا تقبل في ذلك. قال ابن نجيم في الاستدلال: لأنها أهل للشهادة في غيرها فكانت أهلا للقضاء، لكن يأثم المولي لها، كما ذهب لذلك الكمال بن الهمام شيخ المحققين في مذهب ابي حنيفة، فالكلام الذي جاء في تولية القضاء في مذهب الحنفية مطلقا يحمل على هذا القيد.

وحكي عن ابن جرير الطبريّ أنه أجاز تقلّد المرأة القضاء مطلقاً، وعلل جواز ولايتها بجواز فتياها، وقد ذهب بعض الشافعية إلى أنه لو ولى سلطان ذو شوكة امرأةً القضاء نفذ قضاؤها.

ومجمل القول: إن ما يختص بصلاحها للتشاور وإبداء الرأي فلا أدلَّ على جواز ذلك موقف النبيصل الله عليه وسلمفي صلح الحديبية مع زوجه أم سلمة-رضي الله عنها-لما أشارت إليه صل الله عليه وسلم بأن يبدأ هو بالنحر والحلق اللذين أمر بهما أصحابه ليتبعوه بعد ذلك عن طواعية، وعن حقها في الانتخاب نجد قول الله تعالى : ( يا أيها النبى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ) الممتحن/ ١٢، فقد صرحت الآية بجواز مجادلة المرأة في حقوقها ومحاورتها في شؤونها، بل وإن الله أنزل من رأيها ذلك تشريعا خالدا يتمثل في آيات الظهار، وما ذلك إلا شاهد على احترام الإسلام –

بتشريعه ونظمه-رأيَ المرأة وإعلائه إن كان صائبا([3]).

وما ممارسة المرأة للانتخاب إلا إبداء لرأيها في المواقف، وفي تفسير الآية الآنفة يقول الشيخ محمد شلتوت: وقد كانت هذه المبايعة من فروع استقلال النساء في المسؤولية ولهذا بايعهن الرسول صل الله عليه وسلم، والرسول صل الله عليه وسلم لم يؤمر باستصغار مواقف النساء وآرائهن بل كان نص الآية في قبول مبايعتهن والاستغفار لهن.([4])

ويقول الأستاذ بيوض حدبون وهو من الإباضية: أما أن تكون هي المنتخبة في مجلس الشورى أو البرلمان فهذا يخضع لمزيد من القيود والتحفظات، إلا أن الكثير من العلماء على الجواز، ولا يرون في ذلك غضاضة.

فهذا عُمر بن الخطاب كان يستشير في الأمر المرأة لاحتمال أن يجد الصواب في قولها، أو شيئا يستحسنه فيأخذ به، كما خَرج بذلك المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية قد أجاز للمرأة أن تكون مُنتخَبة قياسا على جواز إفتاء المرأة واجتهادها؛ لكون أهمية الانتخاب لا تفوق أهمية الإفتاء والاجتهاد الجائز بالإجماع([5])، ووافقهم المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة([6]).

فالمرأة كالرجل في الدخول إلى عالم السياسة وإمارة الحكم على الشعب إن وافق عليها، ولا مانع من كونها وزيرة أو مُنتخَبة، فهي مُساوِية للرجل في الحقوق من جهة، وحُرَّة في ترك بيتها ورعايتها للأجيال من جهة أخرى.([7])

ولفضيلة الشيخ الدكتور العلامة: محمد سليمان الأشقر مقالا نشرته جريدة "الوطن" الكويتية في جواز تولية المرأة في الوظائف الرئاسية والمجالس النيابية.

وأخيرا ليست الشريعة الإسلامية قطع غيار توظف أجزاء منها لأغراض، وتترك الأجزاء الأخرى حسب الهوى، وعليه فما دامت أحكام الشريعة الإسلامية الكلية معطلة، فإن الواقع المعاصر الذي نعيشه يحتم علينا الإفتاء بجواز الترشح المرأة للانتخابات في مجتمع (شبه علماني) لا يحكّم الشريعة في حياته اليومية، ولا هو خاضع لأحكامها العامة، ولا يلتمس منها الحلول، فما دام هذا المجتمع مستحلا للربا، وهو محرم بنصوص قطعية، ويتعامل به جهارا بدون وازع ديني، وقد تفشى في أوساطه، واتخذه الكثير سبيلا للكسب والثراء، فلا ضير أن تترشح المرأة لأيّ منصب شاءت، فليس هناك ما يمنعها.

وإن الفتوى الفقهية يكون لها قيمة شرعية في وسط إسلامي حق يحكّم شرع الله تلقائيا، بدون تحتيم، نابع من عمق الإيمان بالله تعالى، فإن الإفتاء بعدم الجواز في هذه الحالة التي أشرت إليها يثير فرقة وبلبلة في المجتمع، ونكسة في الصحوة الإسلامية، وسبيلا لأعداء الإسلام لهمزه ولمزه، مع التأكيد أن الحديث الشريف: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» له قوة الإحتجاج والاستدلال والله هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

هذا ما استطعت الوصول إليه في هذه المسألة فإن أصبت فيما طلب مني فالفضل يعود لله تعالى وحده، فإن أخطأت من حيث أردت الصواب فمن نفسي فما هو إلاّ اجتهاد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

العبد الفقير إلى عفو الله تعالى ورضاه التواتي بن التواتي الأغواطي

 


[1] - مجلة التاريخ العربي.

[2] - الشرح الكبير لابن قدامة، 11/387

[3] - الشورى في الإسلام. مرجع سابق، رأي الإسلام في اشتراك المرأة في مؤسسات الشورى، د. محمد عبيد الكبيسي، ضمن بحوث المجمع.

[4] - القرآن والمرأة. محمود شلتوت، ص05 نقلا عن الشورى الإسلامية والديمقراطية المعاصرة دراسة مقارنة لبيوض حدبون، 1/103.

[5] - الشورى في الإسلام. مرجع سابق، من ضمن بحوث المجمع، ج3، ص1106. و1192. و1224.

[6] - الإعجاز التشريعي في الإسلام بين الشورى والديموقراطية. مرجع سابق، المجلد الثاني، المحور الثاني، ص37.

[7] - الشورى الإسلامية والديمقراطية المعاصرة دراسة مقارنة لبيوض حدبون، 1/103-104 (بزيادة: ولا يرون في ذلك غضاضة)